المرأة والأدب.. تجربة في الإمارات

لكلمة شراع
المرأة والأدب.. تجربة في الإمارات
صالحة غابش*
بالرغم من إحراز المرأة الخليجية تقدماً كبيراً عبر المشاركة المجتمعية في مجالات عديدة، ربما لم تحرزها امرأة أخرى في العالم، فإنها لا تزال علامة استفهام لدى البعض ممن يعيشون خارج المنطقة، سواء كانوا يعيشون في نطاق المنطقة، أو من المغتربين الذين تشربوا الثقافة الغربية وعاشوا بها، ومعها، وفتنوا بالحديث عن هذه الصورة النمطية المستحقة للشفقة للمرأة العربية، وخاصة الخليجية.
وإن كان هناك جانب من الصحة في الموضوع، فهو لا يخص المرأة الخليجية دون المرأة في العالم، مع اختلاف نسبة العنف وظروفه وأسبابه، كما أنه لا يخصها دون أفراد من المجتمع ممن يتعرضون للعنف في البيت، والعمل، وخارجهما.
إن هذه النظرة النمطية للمرأة الخليجية تستحوذ على عرش قناعات العرب المثقفين المغتربين في دول أوروبا، وخاصة فرنسا التي التقيت فيها عدداً منهم. ولما كان الحديث ضمن ورقة قدمت عن المرأة والأدب في الخليج، ولما كنتُ أقرب ما أكون إلى الواقع الثقافي الإماراتي، فقد سردتُ شيئاً من تاريخ نشأة الأدب منذ قيام دولة الإمارات عام 1971م، حيث تؤرَّخ القصة القصيرة بأول كاتب إماراتي لها، وهي الروائية المعروفة شيخة الناخي التي نشرت قصتها الأولى “الرحيل”، ثم جعلت عنوانها لأول مجموعة قصصية صدرت في ثمانينيّات القرن الماضي. وأخذت حكاية المرأة الإماراتية، مع الكتابة الإبداعية، إطاراً يزداد اتساعاً من حيث تراكم الخبرة والثقافة التي أظهرت عدداً من الأسماء المهمة في القصة والشعر، خاصة مع قدوم مثقفين خليجيين وعرب ليساهموا في النهضة الثقافية الإمارتية. ففي القصة، جاءت تجربة مريم جمعة فرج –رحمها الله– وسلمى مطر سيف، وأمينة بوشهاب ليقدمن قصة متطورة، ولو أنهن استكملن مشروعهن لأصبحن أهم القاصّات على مستوى الوطن العربي، إذ اتسم أسلوبهن بقدرة هائلة على سبر أغوار الأبعاد النفسية لأبطال العمل، وقراءة في التفاصيل العميقة بلغة فلسفية للأحداث الاجتماعية التي تحيط بالشخصيات. أما على صعيد الشعر، فقد كانت قصيدة النثر الأكثر حضوراً في تجربة الشاعرات، مثل: ميسون صقر القاسمي، وظبية خميس، ونجوم الغانم، ومنى سيف، وأروى سالم، وسارة حارب، وغيرهن، وبعضهن كنّ مستترات بأسماء مستعارة، رغبةً في أن يحضرن في الحياة الثقافية من دون أي عائق أسري واجتماعي، آنذاك.
تستمر المسيرة مع ظهور واسع لشاعرات الشعر الشعبي، من حيث الكم والتمكين من الحضور في المنابر الثقافية، وتسلك طريقاً زمنياً تختفي فيه بعض الأسماء، وتظهر أخرى جديدة، حتى حضرت الرواية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تراجع الاهتمام بالقصة القصيرة، وانغلاق ديوان العرب على ذاته التي لا تفتح إلا في ظروف تسمح له بالحضور والتأثير عبر منابر لا تزال تعتزّ بالشعر، وعبر جوائز أدبية تضع الشعر ضمن برنامجها التنافسي، مع موقف غريب لبعض دور النشر التي ترفض طباعة الديوان، وتفضّل الرواية لأسبابٍ تجارية بحتة. وهكذا ظهرت أسماء جديدة في كتابة الرواية، مثل: ريم الكمالي، وفتحية النمر، ومريم الغفلي، وأسماء الزرعوني، ونورة النومان، وغيرهن، برزن من خلال فوزهن بجوائز خصصت للرواية. ومع هذا الاستعداد لإزاحة الستار عن تجارب إبداعية أخرى، تظهر أسماء لناقدات في الأدب يفوق عددهن أسماء النقاد الرجال، تمرّسن في النقد من خلال دراسات أكاديمية جعلتهن يعملن في حقل التدريس الجامعي في مجال النقد، وينخرطن في القرارات النقدية المختلفة للأدب بكل أصنافه، من هؤلاء: د. مريم الهاشمي، ود. زينب الياسي، ود. هند المشموم، ود. بديعة الهاشمي، وغيرهن.
إن المرأة في الإمارات، تقلدت مراكز قيادية في مجال الثقافة والأدب. فهي ناشرة، وهي مسؤولة عن جوائز أدبية، وهي أيضاً كاتبة للأطفال واليافعين، وحققت ريادة في كتابة رواية الخيال العلمي وتحويلها إلى حلقات مسلسلة، وتجربتها إضافة ثرية إلى تجربة الكاتبة/الأديبة الخليجية التي لها السبق في تاريخ الأدب الخليجي. ولكن الكلام عن اضطهاد المرأة الخليجية، وتقييد حركتها وأحلامها، صورة تدور في الفلك النمطيّ ذاته منذ سنوات، وعلينا أن نذكِّر من يشفقون على حال المرأة الخليجية بأنها الآن أقوى مما تتوقع نظرتهم التي لا تزال على ضيقها منذ سنوات بعيدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ