اليوم… غد الثقافة في البحرين

لحدث
اليوم… غد الثقافة في البحرين
خلال شهر أكتوبر الماضي 2022، انطلقت سلسلة من اللقاءات التشاورية في مجالات متعددة من الثقافة والفنون، برعاية رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، الذي دعا إلى أهمية إشراك العاملين في هذه الحقول الثقافية النابضة بالحياة، كي يزيحوا الستار عن صورة المستقبل المحتملة، فتغدو الرؤية أكثر وضوحاً للمتجهين إلى هذا المستقبل، حتى لا يبقى القطاع الثقافي بأكمله والحراك الثقافي، حاضره وغده، مرهونا بما لم يحدث، بل ليتحرك إلى الأمام وليستشرف ما الذي يمكن عمله من أجل استدامة الحراك الثقافي وتطويره المستمر.
في تلك اللقاءات التشاورية التي حضرها التشكيليون والكتاب، وناقش فيها الموسيقيون قضاياهم، واستعرض فيها أصحاب الفنون الشعبية، والمسرحيون والسينمائيون، وأصحاب الفنون الأدائية والحرف اليدوية، جميعهم رؤاهم، فأدلوا بدلائهم في أجواء منفتحة اتخذت الشكل الدائري في الجلسات في إشارة لها دلالتها باحتضان الجميع، حيث لا صدر وعتبة في الدائرة، فالجميع في صدرها، والجميع له أن يفتح للمستقبل طاقة ليرى نفسه، ويستمتع بمشاهدة الآخرين المكملين للمشهد الثقافي البحريني.
اللقاءات التشاورية في هذا العام أتت استكمالاً للقاءات تمت في السابق، ووضعت حينها أسساً للعمل الثقافي، وطرحت عديد الاهتمامات، وهي تأتي اليوم لتخطو باللقاءات خطوة أخرى للأمام، فما أسهل أن يسترجع الإنسان ما حدث، وأن يعيد تلاوة التاريخ ورسم الأحداث، أن يأخذ القصة من أفواه الرواة، وأن يقف فوق الكثير مما كتب وما قيل وما جمعته الشهادات في كل حقل من حقول الفنون والآداب. ولكنّ التحدي الحقيقي هو في تصوّر ما سيأتي، وفي رسم ملامحه، وهو الذي لم تره الأعين، مع إدراك أن البقاء في صندوق اليوم سيكرر الصناديق لاحقاً، ويجعل من الزمن مجرّد أرقام تتوالى ولا تسير إلى الأمام خطوة واحدة، تكرر نفسها، وتكرر نجاحاتها، وكذلك تحدياتها. إلا أن هذه اللقاءات أتت لتزيح هذه العتمة، لأن المطلوب من الداخلين في اللقاءات – أفراداً ومؤسسات – تخطي المطالبات المعتادة من الدعم بأشكاله المختلفة، وصولاً إلى التصورات للنهوض بالواقع، وبحسب إمكانيات لا تسرف في الطموحات، ولا تقنط من الشراكات مع القطاع الخاص، وتحويل الثقافة من مؤسسات مستهلكة إلى جهات منتجة تصبّ نتاجاتها في متاريس الآلة الكبرى للدولة، لا أن تكون عبئاً عليها.
.من اللقاءات التشاورية التي نظّمتها هيئة البحرين للثقافة والآثار بحضور سعادة رئيس الهيئة الشيخ خليفة بن أحمد بن عبداللّه آل خليفة
خرج المشاركون في هذه اللقاءات بأكثر من الآمال، إلى الآفاق العريضة القائمة على ما يمكن أن تبادر به الجهات والأفراد المبدعون من إضاءة شعلة البدء بدلا من انتظار من يشعلها، فالمبدع عبر التاريخ مبادر بطبعه، لديه ما يقوله ويعبّر عنه، فلا ينتظر من يدعّه دعّاً من أجل أن يباشر ما نذر نفسه له.
تقف هيئة البحرين للثقافة والآثار من كل هذا موقف المنظّم والميسّر والداعم والمشارك، وبشكل بالغ الشفافية والانفتاح علمت كل المكونات الثقافية في البحرين مشاربها، وما لها من الهيئة وما عليها من أنفسها، فتحرك الكثير من المياه، وبدت الأجواء اليوم استمراراً آخر للأمس، وتجدداً مهماً لمن أراد أن يطرح نفسه بكونه متفرداً ومتميزاً، استمراراً للمئات ممن عرفنا، والآلاف ممن لم يسعدنا الزمان بمعرفتهم، من أهل هذه الأرض الطيبة التي أنجبت أجيالاً من المبدعين في كل جانب، فتشكلت فنون تشابه هذه البلاد وأهلها وتتناغم معهم وتعبّر عنهم، وتصنع نسيجها الخاص والمتفرد الذي هو هوية البحرين، التي تعبّر عنهم، والتي لم تزل تمتح من مُهج المبدعين، لتسقي أرضاً لاشكّ أنها تنبت الزهور.